وقفة تدبر في قصة قارون
وقفة:
((فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي
زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا
مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ))..
لما خرج قارون بكامل زينته، متفاخر
متجمل، يركب أفضل المراكب، ويلبس أفخر الملابس، خلفه خدمه وحشمه وكنوزه، انقسم
الناس لما رأوه قسمين:
الأول: لهث وراء زخرف الدنيا وزينتها،
فتمنى أنَّ له مثل ما عنده. ضعُفت نفسه أمام مال زائل، وزخرف متهالك، وبهرج زائف.
والثاني: قويت نفسه، واشتدت عزيمته،
وعلم أنَّ ما عند الله خير وأبقى، وأنَّ الرزق بيد الله يؤتيه من يشاء.
((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ
الْأَرْضَ)) ...
بين ما في نفس الفريقين وما يجول في صدورهم
من أمنيات... جاء أمر الله عز وجل كلمح البصر، فخسف بقارون وماله ومتاعه.
في لحظة خاطفة عجزت كنوزه أن تنصره،
وبان ضعف ووهن ما كان يملكه.
هنا تبرأ مَن تمنى أن يكون له مثل ما
عند قارون، عاد له رشده، وحمد ربه أنَّه لم يصبه عذاب الخسف. بل حمد ربه أن لم
يستجب له ما تمنى.
((وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا
مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ
بِنَا)) ...
هذه اللحظات هي الحقيقة التي ينبغي على
كل أحد أن يعلمها فلا يغتر بملك ولا مال ولا جاه ولا منصب؛ لأنَّ كل ذلك سيؤول إلى
الزوال، لا بد أن يوقن أنَّ الحياة الدنيا ما هي إلا ظل زائل. كما في الحديث: "مَا
لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ
شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا"*.
إنَّ المسلم العاقل الفطن يأخذ الدروس
والعبر، ولا تمر عليه هذه الآيات الكريمة إلا ويعقلها ويعلم ما فيها.
..................................
*أخرجه: أحمد في مسنده (3785)،
والترمذي في جامعه (2377) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
كتب
د. ناجي بن إبراهيم الدوسري
21/ربيع الثاني/1441هـ
2019/12/18
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "وقفة تدبر في قصة قارون"
إرسال تعليق