منهج ابن حجر في فتح الباري الحديث الأول
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على نبيه وعبده ، وآله وصحبه ..
فهذا بحث مختصر في منهج الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري الحديث الأول منه ...
الحديث الأول
1- حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا سفيان ،
قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال : أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي ، أنه سمع
علقمة بن وقاص الليثي ، يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ
ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر
إليه " .
................................................
المنهج التحليلي للحديث الأول من فتح الباري
لابن حجر رحمه الله .
1-
تعرض ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه للحديث
إلى ترجمة الرواة ترجمة مفصلة فمثلاً لما ذكر :
( الحميدي )
قال : هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى .
( سفيان ) قال : هو ابن عيينة بن
أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي .
( يحيى بن سعيد الأنصاري ) قال : اسم جده قيس
بن عمرو .
( محمد بن إبراهيم ) قال : محمد بن إبراهيم
بن الحارث بن خالد التيمي .
2-
تعرض ابن حجر رحمه الله في شرحه إلى علم
الأنساب فذكر :
( الحميدي )
قال عنه : منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بني أسد بن عبد العزى بن
قصي .
وناسب في نسبه بين اجتماعه مع خديجة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم في أسد ، وبين اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم في
قصي .
3-
تعرض رحمه الله لذكر حال الرواة فقال عن :
( الحميدي )
إمام كبير مصنف .
وقال عن ( مالك ) شيخ أهل المدينة .
وقال عن ( مالك وابن عيينة ) قرينان .
4-
ذكر ابن حجر مناسبة روايته عن الحميدي في أول
كتابه فقال : فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم :" قدموا قريشاً
" . ثم قال : وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب أن يذكر في أول ترجمة بدء
الوحي لأن ابتداءه كان بمكة .
5-
تعرض رحمه الله لذكر الفضائل فذكر مالك وابن
عيينة ونقل قول الشافعي عنهما بقوله : لولاهما لذهب العلم من الحجاز .
6-
ذكر رحمه الله اللطائف الإسنادية المتعلقة
بالطبقات فقال عن الحميدي أنه رافق الشافعي في الطلب عن ابن عيينة وطبقته وأخذ عنه
الفقه . وقال عن سفيان أنه سمع من سبعين من التابعين . وقال عن محمد بن إبراهيم من
أواسط التابعين .
7-
ذكر رحمه الله لطائف الإسناد فقال : ففي
الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق . ثم ذكر الخلاف في صحبة علقمة وقال : فلو ثبت
لكان فيه تابعيان وصحابيان .
8-
تعرض رحمه الله لصيغ السماع في الإسناد فقال
: اجتمع في هذا الإسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون وهي التحديث والإخبار
والسماع والعنعنة .
9-
تعرض رحمه الله لذكر اعتراض بعض العلماء على
البخاري في إدخاله هذا الحديث في باب بدء الوحي معللين أنه لا تعلق به أصلاً وقد
ردّ على كل قول بما يناسبه :
أ- قيل إنه أراد أن يقيمه مقام الخطبة للكتاب واستدلوا :
لأن عمر قاله على المنبر بمحضر من الصحابة ....
وأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب به حين قدم المدينة
مهاجراً .
-
فردّ ابن حجر : وهذا وجه حسن ، إلا أنني لم
أر ما ذكره من كونه صلى الله عليه وسلم خطب به أول ما هاجر ... ثم قال رحمه الله بعد
ذكره للحديث " يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية " : ففي هذا ايماء إلى
أنه كان في حال الخطبة ، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أر ما يدل
عليه .
ب- ولعل قائله استند إلى ما روى في قصة مهاجر أم قيس .
-
فردَّ رحمه الله : وهذا لو صح لم يستلزم
البداءة بذكره اول الهجرة النبوية .... ثم ذكر الحديث وقال : لكن ليس فيه ان حديث
الأعمال سيق بسبب ذلك ، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك .
10-
تعرض رحمه الله لذكر مناسبة الحديث للترجمة
وذكر في ذلك أقوال :
أ- أن بدء الوحي كان بالنية ، لأن الله تعالى فطر محمداً على التوحيد وبغّض
إليه الأوثان .
ب- الإخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه وان الله بغض إليه
الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فراراً من قرناء السوء فلما لزم ذلك
أعطاه الله على قدر نيته ووهب له النبوة .
ت- كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى الله تعالى
بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة .
ث- أن الكتاب لما كان موضوعاً لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي ، ولما كان
الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال .
11-
تعرض رحمه الله لبيان أصول النسخ الخطية
والرد على اعتراض العلماء في كون الحديث فيه نقص أو سقط أو خرم . ثم بين تعدد روايات الحديث
واختلاف ألفاظه .
12-
ذكر رحمه الله أهمية الحديث وتعظيم العلماء
له ومكانته في الشريعة ونقل عن البخاري قوله : ليس في اخبار النبي صلى الله عليه
وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث .... ثم ذكر رحمه الله اتفاق
العلماء على أنه ثلث الإسلام ، ومنهم من قال ربعه .. وذكر اختلافهم في تعيين
الباقي .
13-
ذكر رحمه الله معنى قول الإمام أحمد ومن
وافقه على قوله على أنه ثلث العلم : بانه احد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع
الأحكام عنده .
14-
تعرض لدرجة صحة الحديث وكونه متفقاً على صحته
عند الأئمة المشهورين .
15-
ذكر رحمه الله منهج المعتزلة في رد الحديث
الفرد . بقوله : قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردوداً لكونه فرداً .
16-
ذكر رحمه الله اطلاق الخطابي نفي الخلاف بين
أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد ، لكن قيد اطلاقه بقيدين فقال :
أ- احدهما الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وابن منده .
ب- السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وام
سلمة " يبعثون على نياتهم " .. .
17-
تعرض رحمه الله لبيان نوع من أنواع مصطلح
الحديث وهو الفرد ، وبين تفرده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري .
18-
ذكر رحمه الله تقرير غلط من زعم ان هذا
الحديث متواتر ، إلا إن حمل على التواتر المعنوي فيحتمل .
19-
تعرض رحمه الله لذكر عدد الأنفس التي روت الحديث
عن يحيى بن سعيد واستبعد بعض الأعداد فذكر بعضهم راوه عن يحيى مائتان وخمسون نفساً
، وبعضهم جاوز الثلثمائة ، ومنهم من أوصلها السبعمائة ... ثم ذكر استبعاده لصحت
هذا وقال : فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت
الحديث على وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة .
20-
تعرض رحمه الله لبيان المسائل النحوية
والصرفية كقوله ( على المنبر ) بكسر الميم واللام للعهد . وبيان افادة ( إنما ) وأقوال
العلماء فيها ، وكقوله ( بالنيات ) الباء للمصاحبة ... ، وكقوله ( فمن كانت هجرته
) قال : وعلى هذا يقدر المحذوف كونا مطلقاً من اسم فاعل أو فعل . وكقوله في الدنيا
لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف .
21-
تعرض رحمه الله لذكر اختلاف روايات الحديث
فذكره بورودها بلفظ ( إنما الأعمال بالنيات ) ووقع في رواية بحذف إنما ( الأعمال
بالنيات ) ووقع بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ ( الأعمال بالنية ) .
22-
تعرض رحمه الله لذكر وجوه مناسبة الإفراد
والجمع في :
-
( الأعمال بالنيات ) مقابلة
الجمع بالجمع أي كل عمل بنيته .
-
( الأعمال بالنية ) ووجهه أن محل
النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي
متعددة فناسب جمعها . ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد .
23-
تعرض رحمه الله لذكر بعض الإفادات والأجوبة
عنها كما في احتجاج بعضهم بأنها لو كانت للحصر لما حسن إنما قام زيد في جواب هل قام
عمرو ، فأجاب رحمه الله : يصح أن يقع في مثل هذا الجواب ما قام إلا زيد وهي للحصر
اتفاقاً . ... . وذكر رحمه الله كلاماً طويلاً في إيرادات العلماء والأجوبة عنها
في افادة ( إنما ) .
24-
تعرض رحمه الله للقضايا الأصولية فذكر ( إنما
) وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم ، او تفيد الحصر بالوضع أو العرف أو تفيده
بالحقيقة أو بالمجاز . كذلك بين الأعمال الصادرة من المكلفين وهل مخاطب الكافر بها
.
25-
تعرض رحمه الله للمسائل الفقهية كاختلاف
الفقهاء في النية وهل هي ركن أم شرط .؟ فقال : المرجح ان ايجادها ذكرا في أول
العمل ركن ، واستصحابها حكماً بمعنى ان لا يأتي بمناف شرعاً شرط .
26-
ذكر رحمه الله هل يحتاج إلى تعيين العدد ؟
قال : فيه بحث والراجح الاكتفاء بتعيين العبادة التي لا تنفك عن العدد المعين .
27-
تعرض رحمه الله للحدود والتعاريف فذكر تعريف
النووي والبيضاوي للنية . وتعريف الهجرة . وكقوله في ( دنيا ) .
28-
تعرض رحمه الله لأوجه الهجرة فقال :
أ- الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة
من مكة إلى المدينة .
ب- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله
عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه من المسلمين .
29-
تعرض رحمه الله إلى بيان تغاير الشرط والجزاء
وذكر أن الأصل التغاير ومثَّل بقوله : فلا يقال من أطاع أطاع وإنما يقال من أطاع
نجا . وردَّ اعتراض وقوعه في الحديث متحدين فأجاب : أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو
الأكثر وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق .
30-
تعرض رحمه الله للرد على من قال أن البخاري
لم يلق الحميدي فقال : وهو مما يتعجب له من اطلاقه مع قول البخاري " حدثنا
الحميدي " وتكرار ذلك منه في هذا الكتاب وجزم كل من ترجمه بأن الحميدي من
شيوخه في الفقه والحديث .
31-
تعرض رحمه الله لحل استشكالين فيمن قال بأن
اسقاطاً في السند :
-
إن كان الاسقاط من غير البخاري فقد يقال لم
اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ؟ فأجاب :
اختار الحميدي لكونه أجل مشايخه المكيين .
-
وإن كان الاسقاط منه ، فأجاب :
لعل البخاري قصد أن يجعل لكتابه صدراً يستفتح به على ما
ذهب إليه كثير من الناس من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من
التأليف فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله .
32-
تعرض رحمه الله لردّ على ابن سراج في سبب
تخصيص المرأة بالذكر أن العرب كانوا لا يزوجون المولى العربية ويراعون الكفاءة في
النسب ... ، ثم ذكر .. أن بعضهم هاجر إلى المدينة ليتزوج بمن كان لا يصل إليها ..
.
فردَّ رحمه الله :
أ- يحتاج إلى نقل ثابت أن هذا المهاجر كان مولى وكانت المرأة عربية .
ب- ليس ما نفاه عن العرب على إطلاقه بل قد زوج كثير منهم جماعة من مواليهم
وحلفائهم قبل الإسلام .
33-
ذكر رحمه الله الصناعة الحديثية للبخاري :
جواز اختصار الحديث والرواية بالمعنى والتدقيق في الاستنباط .... ، كذلك من صناعته
الحديثية رواية الحديث تاماً في موضع وفي موضع مقتصراً على بعضه . وبين سبب تعلقه
للحديث فقال : وما لم يكن على شرطه يعلقه في الموضع الآخر تارة بالجزم إن كان
صحيحاً وتارة بغيره إن كان فيه شيء .
34-
تعرض رحمه الله للاستشهاد بالشواهد الشعرية
على المسائل النحوية .
35-
تعرض رحمه الله لاستنباط الفوائد واستخراج
الفرائد من الحديث :
أ- لا يجوز الاقدام على العمل قبل معرفة الحكم .
ب- الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئاً لا يمكن
غفلتهم عنه ولم يذكره غيره ان ذلك لا يقدح في صدقه .
ت- استدل مفهومه على أن ما ليس بعمل لا تشترط النية فيه .
ث- العمل إذا كان مضافاً إلى سبب ويجمع متعدده جنس أن نية الجنس تكفي .
ج- زيادة النص على السبب لأن الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة فذكر
الدنيا مع القصة زيادة في التحذير والتنفير .
36-
تعرض رحمه الله لذكر مسألة اشتراط النية في
جمع التقديم وردّ على الشافعية لترجيحهم اشتراط النية ، فقال :
ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث
النظر أنه لا يشترط له نية بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية وخالفهم شيخنا شيخ
الإسلام وقال الجمع ليس بعمل وإنما العمل الصلاة ويقوي ذلك انه عليه الصلاة
والسلام جمع في غزة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه .
والله تعالى أعلم ....
والحمد لله رب العالمين .
وكتبه
ناجي بن إبراهيم الدوسري
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد